يقول الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى متحدثا عن ملابسات وظروف الاحتلال من ص 84 إلى ص 94 من ج 3:
كَانَ السَّبَب فِي انْتِقَاض الصُّلْح
مَعَ جنس الإصبنيول أَن الْعَادة كَانَت جَارِيَة مَعَ أهل سبتة من النَّصَارَى وَأهل
اللانجرة من الْمُسلمين أَن يتَّخذ كل من الْفَرِيقَيْنِ محلا للحراسة على المحدة الَّتِي
بَينهمَا وَكَانَ النَّصَارَى يتخذون هُنَالك بُيُوتًا صغَارًا من اللَّوْح والمسلمون
يتخذون أخصاصا من البردى وَنَحْوه فَلَمَّا كَانَ آخر دولة السُّلْطَان الْمولى عبد
الرَّحْمَن رَحمَه الله بنى نَصَارَى سبتة على المحدة بَيْتا من حجر وطين وَجعلُوا
فِيهِ عَلامَة طاغيتهم الْمُسَمَّاة عِنْدهم بالكرونة فَتقدم إِلَيْهِم أهل اللانجرة
وَقَالُوا لَهُم لَا بُد أَن تهدموا هَذَا الْبَيْت الَّذِي لم تجر الْعَادة ببنائه
وترجعوا إِلَى حالتكم الأولى من اتِّخَاذ بيُوت الْخشب فَامْتنعَ النَّصَارَى من ذَلِك
فَعمد أهل اللانجرة إِلَى ذَلِك الْبَيْت فهدموه وَإِلَى تِلْكَ الكرونة فنجسوها بالعذرة
وَقتلُوا مِنْهُم أُنَاسًا وضيقوا على أهل سبتة بالغارات حَتَّى كَانُوا يصلونَ إِلَى
السُّور فَرفع أهل سبتة أَمرهم إِلَى كَبِيرهمْ بطنجة فَكلم كَبِيرهمْ نَائِب السُّلْطَان
بهَا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْحَاج عبد الله الْخَطِيب التطاوني
وشكا إِلَيْهِ مَا نَالَ أهل سبتة من عيث اللانجرة فدافعه الْخَطِيب فَلم ينْدَفع وَقَالَ
لَا بُد من حُضُور اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم بطنجة وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَلَا
بُد من قَتلهمْ جَزَاء على فعلهم فَعظم الْأَمر على الْخَطِيب وَرُبمَا كلم فِي ذَلِك
باشدور النجليز فَقَالَ لَهُ أحضر هَؤُلَاءِ المطلوبين على عين الْأَجْنَاس وَإِذا
حَضَرُوا وَظهر حق الإصبنيول فَأَنا ضَامِن أَن لَا يصيبهم شَيْء فأعجب الْخَطِيب ذَلِك
وعزم عَلَيْهِ فاتصل الْخَبَر بِأَهْل اللانجرة وَأَن الْخَطِيب عازم على أَن يكْتب
إِلَى السُّلْطَان فِي شَأْن اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم بأعيانهم فَمَشَوْا إِلَى الشريف
سَيِّدي الْحَاج عبد السَّلَام بن الْعَرَبِيّ الوزاني وَقَالُوا لَهُ إِن الْخَطِيب
لَا ينصح السُّلْطَان وَلَا الْمُسلمين وَإِن كل مَا قَالَه النَّصَارَى يساعدهم عَلَيْهِ
حَتَّى جسرهم علينا وَنحن جئْنَاك لتعلم السُّلْطَان بأمرنا وتسأله أَن يمدنا بالقبائل
الْمُجَاورَة لنا وَنحن نكفيه هَذَا
المهم وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة توفّي السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رَحمَه الله وَولي ابْنه سَيِّدي مُحَمَّد وَقدم مكناسة وَاجْتمعت كلمة أهل الْمغرب عَلَيْهِ فَكتب لَهُ الشريف سَيِّدي الْحَاج عبد السَّلَام بِأَمْر أهل اللانجرة وَقرر لَهُ مطلبهم فَشَاور السُّلْطَان فِي ذَلِك بعض حَاشِيَته فَمَال إِلَى الْحَرْب وَذَلِكَ كَانَ الرَّاجِح عِنْد السُّلْطَان لِأَنَّهُ عظم عَلَيْهِ أَن يُمكن الْعَدو من اثْنَي عشرا من الْمُسلمين وفْق اقتراحه واختياره يقتلهُمْ بِمحضر الْمَلأ من نواب الْأَجْنَاس وَرَأى رَحمَه الله أَن لَا يُمكنهُ من مطلبه حَتَّى يعْذر فِيهِ فاستخار الله تَعَالَى وَبعث خديمه الْحَاج مُحَمَّد بن الْحَاج الطَّاهِر الزُّبْدِيُّ الرباطي إِلَى الْخَطِيب بطنجة وَأمره أَن ينظر فِي الْقَضِيَّة ويستكشف الْحَال وَأَن لَا يجنح إِلَى الصُّلْح إِلَّا إِذا لم يجد عَنهُ محيصا وَكثر المتنصحون لَدَى السُّلْطَان وهونوا عَلَيْهِ أَمر الْعَدو جدا مَعَ أَنه لَيْسَ من السياسة تهوين أَمر الْعَدو وتحقيره وَلَو كَانَ هينا حَقِيرًا فوصل الزُّبْدِيُّ إِلَى طنجة وَاجْتمعَ بالخطيب وفاوضه فِي الْقَضِيَّة فَوجدَ الْخَطِيب جانحا إِلَى السّلم فَأبى أَن يساعده على ذَلِك وَأظْهر كتاب السُّلْطَان بتفويض النّظر إِلَيْهِ فِي النَّازِلَة فَتَأَخر الْخَطِيب عَنْهَا وَترك الْخَوْض وَالْكَلَام فِيهَا
وَآخر الْأَمر أَن الزُّبْدِيُّ انْفَصل مَعَ نَائِب الإصبنيول على الْحَرْب وَذهب إِلَى حَال سَبيله وأزال الإصبنيول سنجقه من طنجة وَركب إِلَى بِلَاده فِي الْحِين وَكتب الزُّبْدِيُّ إِلَى السُّلْطَان بالْخبر فَكتب السُّلْطَان إِلَى الثغور يُخْبِرهُمْ بِمَا عقده مَعَ الإصبنيول من الْحَرْب وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا على حذر وَأَن يَأْخُذُوا أهبتهم للْجِهَاد وَفتح السُّلْطَان بَيت المَال وأبدأ وَأعَاد فِي تَفْرِيق المَال وَالسِّلَاح والكسي وَقدم أَولا الْقَائِد الْمَأْمُون الزراري إِلَى تطاوين فِي نَحْو مائَة فَارس وَخَمْسمِائة من رُمَاة الْعَسْكَر فرابطوا خَارج تطاوين إِلَى جِهَة سبتة ثمَّ برز جَيش الإصبنيول من سبتة فِي نَحْو عشْرين ألفا من الْعَسْكَر فِي غَايَة الاستعداد وَكَمَال الشَّوْكَة وَنزل على طرف المحدة دَاخل أرضه وَكَانَ خُرُوجه يَوْم السبت أواسط ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَنَهَضَ إِلَيْهِ أهل اللانجرة وَمن جاورهم من قبائل الْجَبَل وتسامع النَّاس بذلك فقدموا من كل جِهَة حَتَّى اجْتمع مِنْهُم نَحْو الْخَمْسَة آلَاف وزحفوا إِلَى الْعَدو وقاتلوه نَحْو نصف شهر وكل يَوْم يقتل مِنْهُ ضعف مَا يقتل من الْمُسلمين لِأَن حربه كَانَ زحفا بالصف وحربهم كَانَ مطاردة بالكر والفر فَلَا بُد أَن يهْلك مِنْهُ أَكثر مِمَّا يهْلك من الْمُسلمين غير أَنهم لم يتمكنوا من مخالطته فِي مُعَسْكَره وَلَا من هزيمته لِأَنَّهُ كَانَ يحصن على نَفسه بأشبارات والمتارزات بخناشى الرمل وَغَيرهَا غَايَة التحصين ثمَّ بعث السُّلْطَان رَحمَه الله أَخَاهُ الْفَقِيه الْعَلامَة الْمولى الْعَبَّاس فِي كَتِيبَة من الْخَيل نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس فَنزل بِموضع يعرف بِعَين الدالية قرب طنجة ثمَّ بعد أَيَّام زحف إِلَى الْعَدو فَنزل بمدشر يُقَال لَهُ الْبيُوت باللانجرة وَاسْتمرّ الْقِتَال بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى على نَحْو ماسبق نَحْو الْعشْرَة أَيَّام ثمَّ انْتقل الْمُسلمُونَ إِلَى مَوضِع آخر يعرف بِأبي كدان خوفًا من كرة الْعَدو ودهمه إيَّاهُم فَكَانَ ذَلِك مِمَّا جرأ الْعَدو عَلَيْهِم وَأظْهر الفشل فيهم وقاتلوا هُنَالك نَحْو الْخَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ إِن الْعَدو اجْتمع يَوْمًا وَتحمل بخيله وَرجله وزحف إِلَى الْمُسلمين فصدمهم بِجَمِيعِ قوته وشوكته فصبروا لَهُ وَصَدقُوهُ اللِّقَاء فَردُّوهُ على عقبه وَلما لم يستقم لَهُ ذَلِك جمع نَفسه ذَات لَيْلَة من غير شُعُور من الْمُسلمين وَركب الْبَحْر وَنزل بِمحل يعرف بالفنيدق لِأَنَّهُ كَانَ هُنَالك فندق قديم وَكَانَ الْعَدو فِي تنقلاته هَذِه لَا يُفَارق السَّاحِل ليحمي ظَهره بمراكبه البحرية وَكَانَ بَين الفندق ومحلة الْمُسلمين نَحْو سَاعَة وَنصف فَأَشَارَ أهل الرَّأْي على الْمولى الْعَبَّاس بِأَن يتَأَخَّر فليلا لكَون الْعَدو قد ضايقه فَتَأَخر الْمولى الْعَبَّاس بالجيش إِلَى مَوضِع يعرف بمجاز الْحَصَا فازداد طمع الْعَدو فِي الْمُسلمين وَظهر لَهُ ضعف رَأْيهمْ فِي مَكَائِد الْحَرْب وَعدم ثباتهم لَدَى الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ قَائِد عَسْكَر الإصبنيول يُسمى أردنيل ووزيره المشير عَلَيْهِ يُسمى بريم ورينتهم يَوْمئِذٍ إيسابيلا الثَّانِيَة ثمَّ عَاد الْمُسلمُونَ إِلَى مطاردة الْعَدو ومقاتلته على نَحْو مَا أسلفنا فَكَانُوا يذهبون إِلَيْهِ وَهُوَ بالفنيدق فيقاتلونه من الصَّباح إِلَى الْمسَاء فَكَانُوا ينالون مِنْهُ وينال مِنْهُم
وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَفد جمَاعَة من أهل تطاوين على السُّلْطَان رَحمَه الله بمكناسة فأعظموا أَمر الْعَدو وتخوفوا معرته فِي مَالهم وَأَوْلَادهمْ لأَنهم كَانُوا قد أحسوا بِشدَّة شوكته فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان رَحمَه الله بِأَن يمدهُمْ ويحامي عَنْهُم وَلَا يدّخر عَنْهُم شَيْئا من الْعدَد وَالْعدَد حَتَّى يعْذر فيهم وَفِي غَيرهم ثمَّ إِن الْعَدو ارتحل من الفنيدق بعد نَحْو عشرَة أَيَّام وَتقدم نَحْو تطاوين وَكَانَ النَّاس قبل هَذَا لَا يَدْرُونَ أَيْن هُوَ قَاصد وَلما ارتحل من الفنيدق عرفُوا أَنه قَاصد تطاوين فَنزل بِموضع يُقَال لَهُ النيكرو فَأَقَامَ هُنَالك نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام والقتال على حَاله الْمُتَقَدّم غير أَن الْعَدو كَانَ فِي مَادَّة قَوِيَّة من الْبر وَالْبَحْر يصل إِلَيْهِ من سبتة وَغَيرهَا كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَام وعلف وأرز وشعير وبقسماط وَغير ذَلِك حَتَّى أَنه كَانَ إِذا ارتحل ترك من ذَلِك فضلَة كَثِيرَة يتعيش فِيهَا ضعفاء أهل تِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَ ذَلِك مكيدة مَقْصُودَة عِنْده يظْهر بهَا الْقُوَّة والرفاهية وَكَانَ شذاذ المتطوعة من أهل الْبَادِيَة يهجمون على مُعَسْكَره بِاللَّيْلِ ويجلبون مِنْهُ البغال والنيران ويصبحون بهَا فِي تطاوين وَغَيرهَا وَكَانَ ضعفاء الْعُقُول من الْعَامَّة يستحسنون ذَلِك وينشطون لَهُ ويرون أَنهم قد صَنَعُوا شَيْئا مَعَ أَن ذَلِك لَا عِبْرَة بِهِ فِي جنب مَا كَانَ يستولي عَلَيْهِ الْعَدو من الأَرْض ويتقدم بِهِ فِي نحر الْمُسلمين وهم يتأخرون
وَالْحَاصِل أَن الْمُسلمين لم يَكُونُوا يقاتلونه على تَرْتِيب مَخْصُوص وهيئة منضبطة إِنَّمَا كَانُوا يقاتلونه وهم متفرقون أَيدي سبا فَإِذا حَان الْمسَاء تفَرقُوا إِلَى محالهم فِي غير وَقت مَعْلُوم وعَلى غير تعبية فَكَانَ قِتَالهمْ على هَذَا الْوَجْه لَا يجدي شَيْئا وَكَانَ الْعَدو يُقَاتل بالصف وعَلى تَرْتِيب مُحكم وَكَانَت عنايته بِمَا يستولي عَلَيْهِ من الأَرْض وَيرى تقدمه إِلَى أَمَام وَتَأَخر الْمُسلمين بَين يَدَيْهِ إِلَى خلف هزيمَة عَلَيْهِم
المهم وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة توفّي السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رَحمَه الله وَولي ابْنه سَيِّدي مُحَمَّد وَقدم مكناسة وَاجْتمعت كلمة أهل الْمغرب عَلَيْهِ فَكتب لَهُ الشريف سَيِّدي الْحَاج عبد السَّلَام بِأَمْر أهل اللانجرة وَقرر لَهُ مطلبهم فَشَاور السُّلْطَان فِي ذَلِك بعض حَاشِيَته فَمَال إِلَى الْحَرْب وَذَلِكَ كَانَ الرَّاجِح عِنْد السُّلْطَان لِأَنَّهُ عظم عَلَيْهِ أَن يُمكن الْعَدو من اثْنَي عشرا من الْمُسلمين وفْق اقتراحه واختياره يقتلهُمْ بِمحضر الْمَلأ من نواب الْأَجْنَاس وَرَأى رَحمَه الله أَن لَا يُمكنهُ من مطلبه حَتَّى يعْذر فِيهِ فاستخار الله تَعَالَى وَبعث خديمه الْحَاج مُحَمَّد بن الْحَاج الطَّاهِر الزُّبْدِيُّ الرباطي إِلَى الْخَطِيب بطنجة وَأمره أَن ينظر فِي الْقَضِيَّة ويستكشف الْحَال وَأَن لَا يجنح إِلَى الصُّلْح إِلَّا إِذا لم يجد عَنهُ محيصا وَكثر المتنصحون لَدَى السُّلْطَان وهونوا عَلَيْهِ أَمر الْعَدو جدا مَعَ أَنه لَيْسَ من السياسة تهوين أَمر الْعَدو وتحقيره وَلَو كَانَ هينا حَقِيرًا فوصل الزُّبْدِيُّ إِلَى طنجة وَاجْتمعَ بالخطيب وفاوضه فِي الْقَضِيَّة فَوجدَ الْخَطِيب جانحا إِلَى السّلم فَأبى أَن يساعده على ذَلِك وَأظْهر كتاب السُّلْطَان بتفويض النّظر إِلَيْهِ فِي النَّازِلَة فَتَأَخر الْخَطِيب عَنْهَا وَترك الْخَوْض وَالْكَلَام فِيهَا
وَآخر الْأَمر أَن الزُّبْدِيُّ انْفَصل مَعَ نَائِب الإصبنيول على الْحَرْب وَذهب إِلَى حَال سَبيله وأزال الإصبنيول سنجقه من طنجة وَركب إِلَى بِلَاده فِي الْحِين وَكتب الزُّبْدِيُّ إِلَى السُّلْطَان بالْخبر فَكتب السُّلْطَان إِلَى الثغور يُخْبِرهُمْ بِمَا عقده مَعَ الإصبنيول من الْحَرْب وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا على حذر وَأَن يَأْخُذُوا أهبتهم للْجِهَاد وَفتح السُّلْطَان بَيت المَال وأبدأ وَأعَاد فِي تَفْرِيق المَال وَالسِّلَاح والكسي وَقدم أَولا الْقَائِد الْمَأْمُون الزراري إِلَى تطاوين فِي نَحْو مائَة فَارس وَخَمْسمِائة من رُمَاة الْعَسْكَر فرابطوا خَارج تطاوين إِلَى جِهَة سبتة ثمَّ برز جَيش الإصبنيول من سبتة فِي نَحْو عشْرين ألفا من الْعَسْكَر فِي غَايَة الاستعداد وَكَمَال الشَّوْكَة وَنزل على طرف المحدة دَاخل أرضه وَكَانَ خُرُوجه يَوْم السبت أواسط ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَنَهَضَ إِلَيْهِ أهل اللانجرة وَمن جاورهم من قبائل الْجَبَل وتسامع النَّاس بذلك فقدموا من كل جِهَة حَتَّى اجْتمع مِنْهُم نَحْو الْخَمْسَة آلَاف وزحفوا إِلَى الْعَدو وقاتلوه نَحْو نصف شهر وكل يَوْم يقتل مِنْهُ ضعف مَا يقتل من الْمُسلمين لِأَن حربه كَانَ زحفا بالصف وحربهم كَانَ مطاردة بالكر والفر فَلَا بُد أَن يهْلك مِنْهُ أَكثر مِمَّا يهْلك من الْمُسلمين غير أَنهم لم يتمكنوا من مخالطته فِي مُعَسْكَره وَلَا من هزيمته لِأَنَّهُ كَانَ يحصن على نَفسه بأشبارات والمتارزات بخناشى الرمل وَغَيرهَا غَايَة التحصين ثمَّ بعث السُّلْطَان رَحمَه الله أَخَاهُ الْفَقِيه الْعَلامَة الْمولى الْعَبَّاس فِي كَتِيبَة من الْخَيل نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس فَنزل بِموضع يعرف بِعَين الدالية قرب طنجة ثمَّ بعد أَيَّام زحف إِلَى الْعَدو فَنزل بمدشر يُقَال لَهُ الْبيُوت باللانجرة وَاسْتمرّ الْقِتَال بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى على نَحْو ماسبق نَحْو الْعشْرَة أَيَّام ثمَّ انْتقل الْمُسلمُونَ إِلَى مَوضِع آخر يعرف بِأبي كدان خوفًا من كرة الْعَدو ودهمه إيَّاهُم فَكَانَ ذَلِك مِمَّا جرأ الْعَدو عَلَيْهِم وَأظْهر الفشل فيهم وقاتلوا هُنَالك نَحْو الْخَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ إِن الْعَدو اجْتمع يَوْمًا وَتحمل بخيله وَرجله وزحف إِلَى الْمُسلمين فصدمهم بِجَمِيعِ قوته وشوكته فصبروا لَهُ وَصَدقُوهُ اللِّقَاء فَردُّوهُ على عقبه وَلما لم يستقم لَهُ ذَلِك جمع نَفسه ذَات لَيْلَة من غير شُعُور من الْمُسلمين وَركب الْبَحْر وَنزل بِمحل يعرف بالفنيدق لِأَنَّهُ كَانَ هُنَالك فندق قديم وَكَانَ الْعَدو فِي تنقلاته هَذِه لَا يُفَارق السَّاحِل ليحمي ظَهره بمراكبه البحرية وَكَانَ بَين الفندق ومحلة الْمُسلمين نَحْو سَاعَة وَنصف فَأَشَارَ أهل الرَّأْي على الْمولى الْعَبَّاس بِأَن يتَأَخَّر فليلا لكَون الْعَدو قد ضايقه فَتَأَخر الْمولى الْعَبَّاس بالجيش إِلَى مَوضِع يعرف بمجاز الْحَصَا فازداد طمع الْعَدو فِي الْمُسلمين وَظهر لَهُ ضعف رَأْيهمْ فِي مَكَائِد الْحَرْب وَعدم ثباتهم لَدَى الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ قَائِد عَسْكَر الإصبنيول يُسمى أردنيل ووزيره المشير عَلَيْهِ يُسمى بريم ورينتهم يَوْمئِذٍ إيسابيلا الثَّانِيَة ثمَّ عَاد الْمُسلمُونَ إِلَى مطاردة الْعَدو ومقاتلته على نَحْو مَا أسلفنا فَكَانُوا يذهبون إِلَيْهِ وَهُوَ بالفنيدق فيقاتلونه من الصَّباح إِلَى الْمسَاء فَكَانُوا ينالون مِنْهُ وينال مِنْهُم
وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَفد جمَاعَة من أهل تطاوين على السُّلْطَان رَحمَه الله بمكناسة فأعظموا أَمر الْعَدو وتخوفوا معرته فِي مَالهم وَأَوْلَادهمْ لأَنهم كَانُوا قد أحسوا بِشدَّة شوكته فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان رَحمَه الله بِأَن يمدهُمْ ويحامي عَنْهُم وَلَا يدّخر عَنْهُم شَيْئا من الْعدَد وَالْعدَد حَتَّى يعْذر فيهم وَفِي غَيرهم ثمَّ إِن الْعَدو ارتحل من الفنيدق بعد نَحْو عشرَة أَيَّام وَتقدم نَحْو تطاوين وَكَانَ النَّاس قبل هَذَا لَا يَدْرُونَ أَيْن هُوَ قَاصد وَلما ارتحل من الفنيدق عرفُوا أَنه قَاصد تطاوين فَنزل بِموضع يُقَال لَهُ النيكرو فَأَقَامَ هُنَالك نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام والقتال على حَاله الْمُتَقَدّم غير أَن الْعَدو كَانَ فِي مَادَّة قَوِيَّة من الْبر وَالْبَحْر يصل إِلَيْهِ من سبتة وَغَيرهَا كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَام وعلف وأرز وشعير وبقسماط وَغير ذَلِك حَتَّى أَنه كَانَ إِذا ارتحل ترك من ذَلِك فضلَة كَثِيرَة يتعيش فِيهَا ضعفاء أهل تِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَ ذَلِك مكيدة مَقْصُودَة عِنْده يظْهر بهَا الْقُوَّة والرفاهية وَكَانَ شذاذ المتطوعة من أهل الْبَادِيَة يهجمون على مُعَسْكَره بِاللَّيْلِ ويجلبون مِنْهُ البغال والنيران ويصبحون بهَا فِي تطاوين وَغَيرهَا وَكَانَ ضعفاء الْعُقُول من الْعَامَّة يستحسنون ذَلِك وينشطون لَهُ ويرون أَنهم قد صَنَعُوا شَيْئا مَعَ أَن ذَلِك لَا عِبْرَة بِهِ فِي جنب مَا كَانَ يستولي عَلَيْهِ الْعَدو من الأَرْض ويتقدم بِهِ فِي نحر الْمُسلمين وهم يتأخرون
وَالْحَاصِل أَن الْمُسلمين لم يَكُونُوا يقاتلونه على تَرْتِيب مَخْصُوص وهيئة منضبطة إِنَّمَا كَانُوا يقاتلونه وهم متفرقون أَيدي سبا فَإِذا حَان الْمسَاء تفَرقُوا إِلَى محالهم فِي غير وَقت مَعْلُوم وعَلى غير تعبية فَكَانَ قِتَالهمْ على هَذَا الْوَجْه لَا يجدي شَيْئا وَكَانَ الْعَدو يُقَاتل بالصف وعَلى تَرْتِيب مُحكم وَكَانَت عنايته بِمَا يستولي عَلَيْهِ من الأَرْض وَيرى تقدمه إِلَى أَمَام وَتَأَخر الْمُسلمين بَين يَدَيْهِ إِلَى خلف هزيمَة عَلَيْهِم
وَقد ذكر ابْن خلدون فِي فصل الحروب قتال
أهل الْمغرب الَّذِي هُوَ المطاردة بالكر والفر وعابه فَقَالَ وَصفَة الحروب الْوَاقِعَة
بَين أهل الْخَلِيفَة مُنْذُ أول وجودهم على نَوْعَيْنِ نوع بالزحف صُفُوفا وَنَوع
بالكر والفر أما الَّذِي بالزحف فَهُوَ قتال الْعَجم كلهم على تعاقب أجيالهم وَأما
الَّذِي بالكر والفر فَهُوَ قتال الْعَرَب والبربر من أهل الْمغرب وقتال الزَّحْف أوثق
وَأَشد من قتال الْكر والفر وَذَلِكَ لِأَن قتال الزَّحْف ترَتّب فِيهِ الصُّفُوف
وتسوى كَمَا تسوى القداح أَو صُفُوف الصَّلَاة ويمشون بصفوفهم إِلَى الْعَدو قدما فَلذَلِك
تكون أثبت عِنْد المصارع وأصدق فِي الْقِتَال وأرهب لِلْعَدو لِأَنَّهُ كالحائط الممتد
وَالْقصر المشيد لَا يطْمع فِي إِزَالَته
وَفِي التَّنْزِيل {إِن الله
يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} الصَّفّ 4
ولازال الْعَدو هَكَذَا يتنقل شَيْئا فَشَيْئًا
حَتَّى وصل إِلَى وَادي يعرف بوادي آسمير وَكَانَ يتحَرَّى فِي تنقلاته يَوْم السبت
مُعْتَمدًا فِي ذَلِك حكما نجوميا على مَا قيل فَلَمَّا احتل بآسمير صَادف ريحًا شرقية
هاج من أجلهَا الْبَحْر حَتَّى لم تقدر مراكبه أَن تحاذيه قرب السَّاحِل فَانْقَطَعت
عَنهُ مَادَّة الْبَحْر وطلع مَاء الْبَحْر فِي وَادي النيكرو من خَلفه فأفعمه وَقطع
عَنهُ الْمَادَّة من سبتة كَمَا طلع أَيْضا فِي وَادي آسمير من أَمَامه فحبسه عَن العبور
وَصَارَ الْعَدو متوسطا بَين الوادين وَالْبَحْر عَن يسَاره وانقطعت عَنهُ الْموَاد
حَتَّى حكى بعض عسكره بعد ذَلِك الْيَوْم أَن الكليطة وَهِي خبْزَة صَغِيرَة تشبه البقسماط
كَانَت أول النَّهَار تبَاع ببسيطة وَفِي آخِره بِيعَتْ بريال وَلَا وجود لَهَا وأيقنوا
بِالْهَلَاكِ لَو وجدوا من ينتهز الفرصة فيهم وَلَكِن أَيْن الْيَد الباطشة وبقوا على
تِلْكَ الْحَال يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ سكن الْبَحْر وانفش الواديان وجاءه المدد
وَلما رأى الْمُسلمُونَ أَن الْعَدو وصل إِلَى ذَلِك الْمحل تقهقروا ونزلوا بمدشر القلالين
بَينه وَبَين تطاوين نَحْو نصف سَاعَة ثمَّ إِن الْعَدو عبر الْوَادي من آخر اللَّيْل
وَأصْبح بِموضع يُقَال لَهُ الْمضيق وَكَانَ متطوعة الْأَعْرَاب فِي هَذِه الْمدَّة
على قسمَيْنِ الحازمون وَأهل الْغيرَة مِنْهُم يَقُولُونَ لَوْلَا أَنه بَين الْجبَال
ومتحصن بالمتارزات لفعلنَا وَفعلنَا وَالْآخرُونَ يَقُول أحدهم مَا لي وللتقدم إِلَى
هَذِه الشرشمة وَإِنَّمَا أهل تطاوين يُقَاتلُون عَن تطاونهم وَأما أَنا فحتى يصل إِلَيّ
بخيمتي فِي عَبدة أَو دكالة أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ يعْتَقد أَنه لَا
تجب عَلَيْهِ نصْرَة الْمُسلمين نعم الَّذين قَاتلُوا قتالا شَدِيدا وأحسنوا الدفاع
وَقَامُوا بالنصرة بنية خَالِصَة وهمة صَادِقَة هم طَائِفَة من شُبَّان أهل فاس وَطَائِفَة
من أهل زرهون وَالْبَعْض من آيت يمور وخصوصا الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِأبي ريالة مِنْهُم فَإِنَّهُ أبدأ وَأعَاد وأتى
بِمَا لم يسمع إِلَّا فِي زمَان الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، حكى من حضر وتواتر عَنهُ أَنه كَانَ معلما براية صفراء وَكَانَ يضمها إِلَى صَدره ويسددها نَحْو الْعَدو ثمَّ يحمل على صفهم فيخرقه حَتَّى يَأْتِي من خَلفه ويفتك فيهم أَشد الفتك ثمَّ يعود ويستلب خيل الْعَدو ويقودها بأرسانها وَيَأْتِي بهَا حَتَّى يَدْفَعهَا لمن بإزائه وَكَانَ إِذا تقدم نَحْو الْعَدو يَقُول لمن حوله تقدمُوا فَأَنا درقتكم وَأَنا سوركم تكَرر ذَلِك مِنْهُ الْمرة بعد الْمرة
وَلما أصبح الْعَدو بالمضيق فَارق الْبَحْر وصمد إِلَى تطاوين فَدخل بَين جبلين وَكَانَ فِي انْتِهَاء ذَلِك الْمضيق الَّذِي بَين الجبلين من جِهَة تطاوين وَيُسمى فَم العليق بعض أخبية أهل فاس وَغَيرهم فصمد الْعَدو نحوهم وبغتهم بالكور والضوبلي وَهُوَ يقرع طبوله حَتَّى أعجل الْبَعْض مِنْهُم عَن حمل أثقاله وَلما وصل إِلَى هَذَا الْموضع حصل بتطاوين انزعاج كَبِير واستأنف النَّاس الْجد وَالِاجْتِهَاد والقتال وتذامر جَيش الْمُسلمين وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْمَطَر وقاتلوا قتالا شَدِيدا وأبدأ أَبُو ريالة وَأعَاد فِي هَذَا الْيَوْم هلك تَحْتَهُ فرسَان وَأرْسل لَهُ الْمولى الْعَبَّاس فرسه وَكَانَ يعتني بِهِ وينوه بِقَدرِهِ وَيبْعَث الطبل يقرع على خبائه وأصابته فِي هَذَا الْيَوْم جِرَاحَة خَفِيفَة وَهلك من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى عدد كثير قيل هلك من أهل تطاوين فَقَط نَحْو الْخَمْسمِائَةِ وَكَانَ الظُّهُور فِي ذَلِك الْيَوْم لِلْعَدو وَمن الْغَد ارتحل من فَم العليق وَعدل يسارا إِلَى المرسى فَنزل بهَا ليتَمَكَّن من مدد الْبَحْر وَاسْتولى على برج مرتيل وَمَا وَالَاهُ كدار مرتيل الَّتِي هِيَ الديوانة وبمجرد وُصُوله إِلَيْهَا حصنها بأشبارات الرمل والمدافع وَغير ذَلِك وَاتخذ بهَا دورا من اللَّوْح وحوانيت مِنْهُ وَأقَام مطمئنا وَصَارَت المراكب تَتَرَدَّد لَهُ فِي الْبَحْر بالأقوات وَالْعدة والعسكر وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى استراح ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَلم يكن فِي هَذِه الْمدَّة قتال وَلَا أنشبه الْعَدو وَفِي هَذِه الْأَيَّام ورد الْمولى أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي جَيش بعث بِهِ السُّلْطَان من مكناسة وَنزل بِموضع يُقَال لَهُ فَم الجزيرة بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ الْمولى الْعَبَّاس نازلا بمدشر القلالين بِمحل مُرْتَفع يشرف على مَا حوله
وَلما استراح الْعَدووصلحت أَحْوَال جَيْشه أنشب الْقِتَال فَكَانَ يخرج فيحوم حول المحلتين فَيُقَاتل وَيرجع فَكَانَ بريم دَائِما يكون فِي أول الْمُقدمَة على فرس أَبيض مَشْهُورا عِنْدهم مَوْصُوفا بالشجاعة وجودة الرَّأْي ثمَّ إِن الْعَدو عزم على مصادمة الْمُسلمين والهجوم على تطاوين فارتحل يَوْم السبت الْحَادِي عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وانكمش وَاجْتمعَ وَتقدم لِلْقِتَالِ وَأرْسل جنَاحا من الْخَيل طالعا مَعَ الْوَادي إِلَى جِهَة الْمَدِينَة وجناحا من الْعَسْكَر الرجالة طالعا من الغابة إِلَى جِهَتهَا أَيْضا وزحف بعسكره شَيْئا فَشَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِك يَرْمِي الكور والضوبلي وَالْبِغَال تجر المدافع والجناحات ممتدان يكتنفان محلّة الْمولى أَحْمد وَلما قربا مِنْهَا وَكَاد ينطبقان عَلَيْهَا فر من كَانَ بهَا وَتركُوا الأخبية والأثاث بيد الْعَدو فاستولى عَلَيْهَا وَنزل هُنَالك بعسكره وحصن عَلَيْهِ وتقهقر الْمولى الْعَبَّاس بجيشه حَتَّى نزل خلف تطاوين وَبقيت بَينه وَبَين الْعَدو وَكَانَ فِي تقهقره هَذَا قد دخل الْمَدِينَة وَمر فِي وَسطهَا وَاضِعا منديلا على عَيْنَيْهِ وَهُوَ يبكي أسفا على الدّين وَقلة ناصره وَلما اسْتَقر بالمحلة مَعَ الْعشي خرج إِلَيْهِ أهل تطاوين وَشَكوا إِلَيْهِ مَا نزل بهم من أَمر الْعَدو وَاسْتَأْذَنُوا فِي تَحْويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إِلَى مداشر الْجَبَل وَحَيْثُ يأمنون على أنفسهم قبل حُلُول معرة الْعَدو بهم فَأذن لَهُم وَعذرهمْ وَكَانَ قبل ذَلِك قد منع النَّاس من نقل أمتعتهم وحريمهم لِئَلَّا يفتنوا الْمُسلمين ويجروا عَلَيْهِم الْهَزِيمَة ولكي يقاتلوا عَلَيْهَا بِالْقَلْبِ والقالب فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْم وَشَكوا إِلَيْهِ أَمر الْعَدو الَّذِي قد أطل عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يثب وثبة أُخْرَى فَيصير بهَا فِي وسط الْبَلَد عذرهمْ وَكَانَ الْعَدو حِين نزل بِفَم الجزيرة عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم قد أرسل أَربع كورات على تطاوين فَوَقَعت فِي وسط الْمَدِينَة كَأَنَّهُ يعلمهُمْ بِأَنَّهُ قد أشرف عَلَيْهِم وَلم يبْق دون أَخذهم قَلِيل وَلَا كثير
وَلما سمع النَّاس كَلَام الْمولى الْعَبَّاس انْطَلقُوا مُسْرِعين إِلَى نقل أمتعتهم وَقَامَ الضجيج فِي الْمَدِينَة وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل وامتدت أَيدي الغوغاء إِلَى النهب وخلع النَّاس جِلْبَاب الْحيَاء وانهار من كَانَ هُنَالك من أهل الْجَبَل والأعراب والأوباش ينقبون ويكسرون أَبْوَاب الدّور والحوانيت والداخل للمدينة أَكثر من الْخَارِج وبَاتُوا ليلتهم كَذَلِك إِلَى الصَّباح وَلما طلع النَّهَار وتراءت الْوُجُوه انتقلوا من نهب الْأَمْتِعَة إِلَى الْمُقَاتلَة عَلَيْهَا فَهَلَك دَاخل الْمَدِينَة نَحْو الْعشْرين نفسا وعظمت الْفِتْنَة وتخوف من بَقِي بتطاوين عَاجِزا عَن الْفِرَار فَاجْتمع جمَاعَة مِنْهُم على الْحَاج أَحْمد بن عَليّ آبعير أَصله من طنجة وَسكن تطاوين وَتَشَاوَرُوا فِيمَا نزل بهم فأجمع رَأْيهمْ على أَن يكتبوا كتابا إِلَى كَبِير محلّة الْعَدو أردنيل يطْلبُونَ مِنْهُ أَن يقدم عَلَيْهِم لتحسم مَادَّة الْفِتْنَة الَّتِي هم فِيهَا فَكَتَبُوا الْكتاب ووجهوه مَعَ جمَاعَة مِنْهُم فَمَا انفصلوا عَن الْمَدِينَة غير بعيد حَتَّى عثروا على طلائع الْعَدو يطوفون حول الْمَدِينَة ويحرسون محلتهم فتسابقوا إِلَيْهِم وهشوا وبشوا وسألوهم مَا الَّذِي أقدمكم فَقَالُوا جِئْنَا بِكِتَاب إِلَى أردنيل فأبلغوهم إِلَيْهِ فأظهر أَيْضا الْبشر والفرح وَقدم إِلَيْهِم طَعَاما من الْحَلْوَاء وَقَالَ لَهُم فِي جملَة كَلَامه إِنِّي أفعل مَعكُمْ مَا لم يَفْعَله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان يَعْنِي من الْإِحْسَان وَكذب خذله الله فَإِن ذَلِك من حيله الَّتِي يستهوي بهَا الأغمار وَيفْسد بهَا الدّين وَإِلَّا فَأَي إِحْسَان فعله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان أَلسنا نرى دينهم قد ذهب وَأَن الْفساد قد عَم فيهم وَغلب وَأَن ذَرَارِيهمْ قد نشؤوا على الزندقة وَالْكفْر إِلَّا قَلِيلا وَعَما قريب يلْحق التَّالِي بالمقدم وَالله تَعَالَى يحوط مِلَّة الْإِسْلَام وَيكسر بقوته شَوْكَة الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَصْنَام
وَلما عرضوا على الْعَدو الدُّخُول إِلَى بلدهم قَالَ لَهُم أما الْيَوْم فَيوم الْأَحَد وَهُوَ عيد النَّصَارَى وَلَا يحل لي التحرك والانتقال وَأما غَدا فانظروني فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار فَرَجَعُوا إِلَى أهلهم وأصحابهم وأعلموهم بمقالة الْعَدو وَالْحَال مَا حَال والقتال لَا زَالَ وأبواب الحوانيت تكسر والدور تخرب وَالْقَوِي يَأْكُل الضَّعِيف وَبَاتُوا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ كَذَلِك وَأَصْبحُوا من الْغَد كَذَلِك ثمَّ إِن الْعَدو استعد وَأخذ أهبته وَتقدم إِلَى تطاوين بعد أَن فرق عسكره على جِهَتَيْنِ فرقة مرت مَعَ أردنيل على الْجَبانَة قاصدة الْبَاب الَّذِي يُفْضِي إِلَيْهَا وَفرْقَة ذهبت مستعلية إِلَى جِهَة القصبة والبرج وَلما وصل أردنيل إِلَى الْبَاب وصل الْآخرُونَ إِلَى القصبة فَأَما أردنيل فَوجدَ الْبَاب مغلقا وَكَلمه الْمُسلمُونَ من دَاخل الْمَدِينَة فَأَمرهمْ بِالْفَتْح فَقَالُوا إِن المفاتيح قد ذهبت فِي الْفِتْنَة فَقَالَ اكسروا الأقفال فكسروها وَدخل وَدخل مَعَه كبراء عسكره
فَتوجه هُوَ إِلَى دَار المخزن فَنزل بهَا وافترق كبراء الْعَسْكَر فِي الْمَدِينَة بِأَيْدِيهِم وَرَقَات مَكْتُوب فِيهَا أَسمَاء الدّور الَّتِي ينزلون بهَا كل وَاحِد بداره مَكْتُوبَة فِي ورقته فَكَانَ أحدهم يسْأَل عَن دَار الرزيني وَآخر يسْأَل عَن دَار اللبادي وَآخر يسْأَل عَن دَار ابْن الْمُفْتِي وَهَكَذَا بِحَيْثُ دخلُوا على بَصِيرَة بأَمْره الْبَلَد ودور كِبَارهَا فاستقر كل وَاحِد مِنْهُم فِي دَاره الَّتِي عينت لَهُ
وَأما الَّذين ذَهَبُوا نَحْو القصبة فَإِنَّهُم لما وصلوا إِلَى السُّور أنشبوا فِيهِ سلاليم من قمن غِلَاظ برؤوسها مخاطيف معوجة وتسلقوا فِيهَا بِسُرْعَة وَلما صَارُوا فِي أَعلَى البرج رفعوا سنجقهم فِي أَعلَى الصاري وأخرجوا عَلَيْهَا مدفعا وَلما سمع المشتغلون بالنهب وَالْقَتْل حس المدفع رفعوا رؤوسهم إِلَى البرج وبمجرد مَا وَقع بصرهم على بنديرة الْعَدو تلوح خَرجُوا على وُجُوههم فارين كالنعم الشارد فَالْأَمْر لله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاأسفي على الدّين وَأَهله
وَلما اسْتَقر الْعَدو بِالْبَلَدِ رتب حكامها وكف الْيَد العادية عَنْهَا وَولى على الْمُسلمين الْحَاج أَحْمد آبعير الْمَذْكُور آنِفا وَكَانَ دُخُوله إِلَى تطاوين واستيلاؤه عَلَيْهَا ضحوة يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّالِث عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف
وَلما أصبح الْعَدو بالمضيق فَارق الْبَحْر وصمد إِلَى تطاوين فَدخل بَين جبلين وَكَانَ فِي انْتِهَاء ذَلِك الْمضيق الَّذِي بَين الجبلين من جِهَة تطاوين وَيُسمى فَم العليق بعض أخبية أهل فاس وَغَيرهم فصمد الْعَدو نحوهم وبغتهم بالكور والضوبلي وَهُوَ يقرع طبوله حَتَّى أعجل الْبَعْض مِنْهُم عَن حمل أثقاله وَلما وصل إِلَى هَذَا الْموضع حصل بتطاوين انزعاج كَبِير واستأنف النَّاس الْجد وَالِاجْتِهَاد والقتال وتذامر جَيش الْمُسلمين وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْمَطَر وقاتلوا قتالا شَدِيدا وأبدأ أَبُو ريالة وَأعَاد فِي هَذَا الْيَوْم هلك تَحْتَهُ فرسَان وَأرْسل لَهُ الْمولى الْعَبَّاس فرسه وَكَانَ يعتني بِهِ وينوه بِقَدرِهِ وَيبْعَث الطبل يقرع على خبائه وأصابته فِي هَذَا الْيَوْم جِرَاحَة خَفِيفَة وَهلك من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى عدد كثير قيل هلك من أهل تطاوين فَقَط نَحْو الْخَمْسمِائَةِ وَكَانَ الظُّهُور فِي ذَلِك الْيَوْم لِلْعَدو وَمن الْغَد ارتحل من فَم العليق وَعدل يسارا إِلَى المرسى فَنزل بهَا ليتَمَكَّن من مدد الْبَحْر وَاسْتولى على برج مرتيل وَمَا وَالَاهُ كدار مرتيل الَّتِي هِيَ الديوانة وبمجرد وُصُوله إِلَيْهَا حصنها بأشبارات الرمل والمدافع وَغير ذَلِك وَاتخذ بهَا دورا من اللَّوْح وحوانيت مِنْهُ وَأقَام مطمئنا وَصَارَت المراكب تَتَرَدَّد لَهُ فِي الْبَحْر بالأقوات وَالْعدة والعسكر وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى استراح ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَلم يكن فِي هَذِه الْمدَّة قتال وَلَا أنشبه الْعَدو وَفِي هَذِه الْأَيَّام ورد الْمولى أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي جَيش بعث بِهِ السُّلْطَان من مكناسة وَنزل بِموضع يُقَال لَهُ فَم الجزيرة بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ الْمولى الْعَبَّاس نازلا بمدشر القلالين بِمحل مُرْتَفع يشرف على مَا حوله
وَلما استراح الْعَدووصلحت أَحْوَال جَيْشه أنشب الْقِتَال فَكَانَ يخرج فيحوم حول المحلتين فَيُقَاتل وَيرجع فَكَانَ بريم دَائِما يكون فِي أول الْمُقدمَة على فرس أَبيض مَشْهُورا عِنْدهم مَوْصُوفا بالشجاعة وجودة الرَّأْي ثمَّ إِن الْعَدو عزم على مصادمة الْمُسلمين والهجوم على تطاوين فارتحل يَوْم السبت الْحَادِي عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وانكمش وَاجْتمعَ وَتقدم لِلْقِتَالِ وَأرْسل جنَاحا من الْخَيل طالعا مَعَ الْوَادي إِلَى جِهَة الْمَدِينَة وجناحا من الْعَسْكَر الرجالة طالعا من الغابة إِلَى جِهَتهَا أَيْضا وزحف بعسكره شَيْئا فَشَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِك يَرْمِي الكور والضوبلي وَالْبِغَال تجر المدافع والجناحات ممتدان يكتنفان محلّة الْمولى أَحْمد وَلما قربا مِنْهَا وَكَاد ينطبقان عَلَيْهَا فر من كَانَ بهَا وَتركُوا الأخبية والأثاث بيد الْعَدو فاستولى عَلَيْهَا وَنزل هُنَالك بعسكره وحصن عَلَيْهِ وتقهقر الْمولى الْعَبَّاس بجيشه حَتَّى نزل خلف تطاوين وَبقيت بَينه وَبَين الْعَدو وَكَانَ فِي تقهقره هَذَا قد دخل الْمَدِينَة وَمر فِي وَسطهَا وَاضِعا منديلا على عَيْنَيْهِ وَهُوَ يبكي أسفا على الدّين وَقلة ناصره وَلما اسْتَقر بالمحلة مَعَ الْعشي خرج إِلَيْهِ أهل تطاوين وَشَكوا إِلَيْهِ مَا نزل بهم من أَمر الْعَدو وَاسْتَأْذَنُوا فِي تَحْويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إِلَى مداشر الْجَبَل وَحَيْثُ يأمنون على أنفسهم قبل حُلُول معرة الْعَدو بهم فَأذن لَهُم وَعذرهمْ وَكَانَ قبل ذَلِك قد منع النَّاس من نقل أمتعتهم وحريمهم لِئَلَّا يفتنوا الْمُسلمين ويجروا عَلَيْهِم الْهَزِيمَة ولكي يقاتلوا عَلَيْهَا بِالْقَلْبِ والقالب فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْم وَشَكوا إِلَيْهِ أَمر الْعَدو الَّذِي قد أطل عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يثب وثبة أُخْرَى فَيصير بهَا فِي وسط الْبَلَد عذرهمْ وَكَانَ الْعَدو حِين نزل بِفَم الجزيرة عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم قد أرسل أَربع كورات على تطاوين فَوَقَعت فِي وسط الْمَدِينَة كَأَنَّهُ يعلمهُمْ بِأَنَّهُ قد أشرف عَلَيْهِم وَلم يبْق دون أَخذهم قَلِيل وَلَا كثير
وَلما سمع النَّاس كَلَام الْمولى الْعَبَّاس انْطَلقُوا مُسْرِعين إِلَى نقل أمتعتهم وَقَامَ الضجيج فِي الْمَدِينَة وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل وامتدت أَيدي الغوغاء إِلَى النهب وخلع النَّاس جِلْبَاب الْحيَاء وانهار من كَانَ هُنَالك من أهل الْجَبَل والأعراب والأوباش ينقبون ويكسرون أَبْوَاب الدّور والحوانيت والداخل للمدينة أَكثر من الْخَارِج وبَاتُوا ليلتهم كَذَلِك إِلَى الصَّباح وَلما طلع النَّهَار وتراءت الْوُجُوه انتقلوا من نهب الْأَمْتِعَة إِلَى الْمُقَاتلَة عَلَيْهَا فَهَلَك دَاخل الْمَدِينَة نَحْو الْعشْرين نفسا وعظمت الْفِتْنَة وتخوف من بَقِي بتطاوين عَاجِزا عَن الْفِرَار فَاجْتمع جمَاعَة مِنْهُم على الْحَاج أَحْمد بن عَليّ آبعير أَصله من طنجة وَسكن تطاوين وَتَشَاوَرُوا فِيمَا نزل بهم فأجمع رَأْيهمْ على أَن يكتبوا كتابا إِلَى كَبِير محلّة الْعَدو أردنيل يطْلبُونَ مِنْهُ أَن يقدم عَلَيْهِم لتحسم مَادَّة الْفِتْنَة الَّتِي هم فِيهَا فَكَتَبُوا الْكتاب ووجهوه مَعَ جمَاعَة مِنْهُم فَمَا انفصلوا عَن الْمَدِينَة غير بعيد حَتَّى عثروا على طلائع الْعَدو يطوفون حول الْمَدِينَة ويحرسون محلتهم فتسابقوا إِلَيْهِم وهشوا وبشوا وسألوهم مَا الَّذِي أقدمكم فَقَالُوا جِئْنَا بِكِتَاب إِلَى أردنيل فأبلغوهم إِلَيْهِ فأظهر أَيْضا الْبشر والفرح وَقدم إِلَيْهِم طَعَاما من الْحَلْوَاء وَقَالَ لَهُم فِي جملَة كَلَامه إِنِّي أفعل مَعكُمْ مَا لم يَفْعَله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان يَعْنِي من الْإِحْسَان وَكذب خذله الله فَإِن ذَلِك من حيله الَّتِي يستهوي بهَا الأغمار وَيفْسد بهَا الدّين وَإِلَّا فَأَي إِحْسَان فعله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان أَلسنا نرى دينهم قد ذهب وَأَن الْفساد قد عَم فيهم وَغلب وَأَن ذَرَارِيهمْ قد نشؤوا على الزندقة وَالْكفْر إِلَّا قَلِيلا وَعَما قريب يلْحق التَّالِي بالمقدم وَالله تَعَالَى يحوط مِلَّة الْإِسْلَام وَيكسر بقوته شَوْكَة الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَصْنَام
وَلما عرضوا على الْعَدو الدُّخُول إِلَى بلدهم قَالَ لَهُم أما الْيَوْم فَيوم الْأَحَد وَهُوَ عيد النَّصَارَى وَلَا يحل لي التحرك والانتقال وَأما غَدا فانظروني فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار فَرَجَعُوا إِلَى أهلهم وأصحابهم وأعلموهم بمقالة الْعَدو وَالْحَال مَا حَال والقتال لَا زَالَ وأبواب الحوانيت تكسر والدور تخرب وَالْقَوِي يَأْكُل الضَّعِيف وَبَاتُوا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ كَذَلِك وَأَصْبحُوا من الْغَد كَذَلِك ثمَّ إِن الْعَدو استعد وَأخذ أهبته وَتقدم إِلَى تطاوين بعد أَن فرق عسكره على جِهَتَيْنِ فرقة مرت مَعَ أردنيل على الْجَبانَة قاصدة الْبَاب الَّذِي يُفْضِي إِلَيْهَا وَفرْقَة ذهبت مستعلية إِلَى جِهَة القصبة والبرج وَلما وصل أردنيل إِلَى الْبَاب وصل الْآخرُونَ إِلَى القصبة فَأَما أردنيل فَوجدَ الْبَاب مغلقا وَكَلمه الْمُسلمُونَ من دَاخل الْمَدِينَة فَأَمرهمْ بِالْفَتْح فَقَالُوا إِن المفاتيح قد ذهبت فِي الْفِتْنَة فَقَالَ اكسروا الأقفال فكسروها وَدخل وَدخل مَعَه كبراء عسكره
فَتوجه هُوَ إِلَى دَار المخزن فَنزل بهَا وافترق كبراء الْعَسْكَر فِي الْمَدِينَة بِأَيْدِيهِم وَرَقَات مَكْتُوب فِيهَا أَسمَاء الدّور الَّتِي ينزلون بهَا كل وَاحِد بداره مَكْتُوبَة فِي ورقته فَكَانَ أحدهم يسْأَل عَن دَار الرزيني وَآخر يسْأَل عَن دَار اللبادي وَآخر يسْأَل عَن دَار ابْن الْمُفْتِي وَهَكَذَا بِحَيْثُ دخلُوا على بَصِيرَة بأَمْره الْبَلَد ودور كِبَارهَا فاستقر كل وَاحِد مِنْهُم فِي دَاره الَّتِي عينت لَهُ
وَأما الَّذين ذَهَبُوا نَحْو القصبة فَإِنَّهُم لما وصلوا إِلَى السُّور أنشبوا فِيهِ سلاليم من قمن غِلَاظ برؤوسها مخاطيف معوجة وتسلقوا فِيهَا بِسُرْعَة وَلما صَارُوا فِي أَعلَى البرج رفعوا سنجقهم فِي أَعلَى الصاري وأخرجوا عَلَيْهَا مدفعا وَلما سمع المشتغلون بالنهب وَالْقَتْل حس المدفع رفعوا رؤوسهم إِلَى البرج وبمجرد مَا وَقع بصرهم على بنديرة الْعَدو تلوح خَرجُوا على وُجُوههم فارين كالنعم الشارد فَالْأَمْر لله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاأسفي على الدّين وَأَهله
وَلما اسْتَقر الْعَدو بِالْبَلَدِ رتب حكامها وكف الْيَد العادية عَنْهَا وَولى على الْمُسلمين الْحَاج أَحْمد آبعير الْمَذْكُور آنِفا وَكَانَ دُخُوله إِلَى تطاوين واستيلاؤه عَلَيْهَا ضحوة يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّالِث عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف
ورثاها الأديب الشريف السَّيِّد الْفضل أفيلال بقصيدة يَقُول فِيهَا:
يَا دهر قل لي على مَه ............................ كسرت جمع السَّلامَة
نصبته للدواهي .................................. وَلم تخف من ملامة
خفضت قدر مقَام ............................... للرفع كَانَ علامه
ملكته لأعاد................................ لَيست تَسَاوِي قلامة
فالدين يبكي بدمع ............................ يحكيه صوب الغمامة
على مَسَاجِد أضحت ...................... تبَاع فِيهَا المدامة
كم من ضريح ولي ...................... تلوح مِنْهُ الْكَرَامَة
علق فِيهِ رهيب ...................... صليبه ولجامه
ومنزل لشريف ...................... وعالم ذِي استقامة
وحسنوا الظَّن تنجوا
.......................... دنيا وَيَوْم الْقِيَامَة
وفوضوا الْأَمر لله ......................... يكف عَنَّا انتقامه
مَا فَازَ إِلَّا ذكي ........................ قدم خيرا أَمَامه
حَيْثُ أَقَامَهُ يرضى .........................وَلَو بقصر كتامة
وَلَا يزل ذَا انْتِظَار .................. فِي كل وَقت ختامه
يراقب الله سرا .............................. وجهرة باستدامه
يطْلب حسن ختام ............................... وَحل دَار المقامة
(وقد خرج الاسبان من تطوان بعد أن تم عقد اتفاقية صلحبين المغرب والاسبان. يقول الناصري عن هذا:)
للاستزادة حول الموضوع، اقرأ:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق